استعجال موت المريض طلبا لراحته الفتوى رقم ( 19165 ) [b]س : أستفتيكم بإذن الله في موضوع قد عرض لي في برنامج طبي كنت أستمع إليه ، وهو : هل يجوز للمريض الذي لا يرجى أمل في شفائه أن يطلب الموت ، وهل يلبى طلبه تخفيفا من الألم الذي يتعرض له ؟ وقد قال المتحدث : إن مريض السرطان مثلا الذي لا يرجى شفاؤه من الأفضل له أن يموت ، فهل يجوز أن يلبى طلب المريض ونقتله تخفيفا من ألمه وعذابه المستمر ؟ وقد تكلم المتحدث عن كتاب يسمى : (الحقوق) ، فقال : إن من حق الإنسان أن يحدد متى تنتهي حياته إذا كان في حياته تعذيب وألم له ولغيره ، فما رأي الدين في هذا الأمر ؟ جزاكم الله خيرا . [/b]
ج : يحرم على المريض أن يستعجل موته سواء بطريق الانتحار أو بتعاطي أدوية لقتل نفسه ، كما يحرم على الطبيب أو الممرض أو غيره أن يلبي طلبه ، ولو كان مرضه لا يرجى برؤه ، ومن أعانه على ذلك فقد اشترك معه في الإثم ؛ لأنه تسبـب في قتل نفس معصومة عمدا بلا حق ، وقد دلت النصوص الصريحة على تحريم قتل النفس بغير حـق ، قـال الله تعالى :
سورة الأنعام الآية 151
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ
|
(الجزء رقم : 25، الصفحة رقم: 86) |
|
وقـال تعـالى :
سورة النساء الآية 29
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا
سورة النساء الآية 30
وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا
وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]رواه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : أحمـد 2 / 254 ، 478 ، 488 - 489 ، والبخـاري 7 / 32 ، ومسـلم 1 / 103 - 104 برقم ( 109 ) واللفظ له ، وأبو داود 4 / 204 برقم ( 3872 ) ببعضـه ، والترمذي 4 / 386 برقم ( 2043 ، 2044 ) ، والنسائي 4 / 67 برقم ( 1965 ) ، وابن ماجه 2 / 1145 برقم ( 3460 ) ببعضه
من قتل نفسه بحديدة فحديدته بيده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ، ومن شرب سما فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا متفق عليه .
وعن أبي قلابة عن ثابت بن الضحاك - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]صحيح البخاري الأدب (6047) ، صحيح مسلم الإيمان (110) ، سنن النسائي الأيمان والنذور (3770) ، سنن أبو داود الأيمان والنذور (3257).
من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة رواه الجماعة ، وعن جندب بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3463) ، صحيح مسلم الإيمان (113).
كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع
|
(الجزء رقم : 25، الصفحة رقم: 87) |
|
فأخذ سكينا فحز بها يده فما رقأ الدم حتى مات ، قال الله تعالى : بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] متفق عليه ، وهذا لفظ البخاري . ولهذا نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتمنى الإنسان الموت لضر أصابه ، في حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]أحمد 3 / 104 ، 171 ، 195 ، 208 ، 247 ، 281 ، والبخاري 7 / 10 ، 155 ومسلم 4 / 2064 برقم (2680) ، وأبو داود 3 / 480 ، 481 برقم (3108 ، 3109 ) ، والترمذي 3 / 302 برقم (971) ، والنسائي في (السنن) 4 / 3 برقم (1820 ، 1821 ) وفي (عمل اليوم والليلة) ص / 574 ، 575 ، برقم (1057 ، 1059 ، 1061 ) ، وابن ماجة 2 / 1425 برقم (4265) .
لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه ، فإن كان لا بد فاعلا فليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي أخرجه البخاري ومسلم ، وهذا لفظ البخـاري ، وأخرج البخاري أيضا بلفظ آخر من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]صحيح البخاري المرضى (5673).
لا يتمنين أحدكم الموت إما محسنا فلعله أن يزداد خيرا ، وإما مسيئا فلعله أن يستعتب .
فإذا كان الإنسان منهيا عن مجرد تمني الموت وسؤال الله ذلك ، فإن إقدام الإنسان على قتل نفسه أو المشاركة في ذلك تعد لحـدود الله وانتهاك لحرماته ؛ لأن فعل ذلك ينافي الصبر على أقدار الله ، وفيه
|
(الجزء رقم : 25، الصفحة رقم: 88) |
|
اعتراض على قضاء الله وقدره ، وجزع من ذلك الذي اقتضت حكمته أن يبتلي عباده بالخير والشر امتحانا واختبارا لعباده ، قـال تعالى :
سورة الأنبياء الآية 35
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ
وقد يبتلي الله بعض عباده بالمرض ، وهو الحكيم فيما يفعل ، العليم بما يصلح عباده ، ويكون في ذلك خـير له وزيادة في حسناته وقوة في إيمانه ، وقـرب من الله سبحانه باستكانته وتضرعه وخضوعه لله سبحانه وتوكله عليه ودعائه له ، فينبغي للإنسان إذا أصيب بأحد الأمراض : أن يحتسب الأجر في ذلك ويصبر على ما أصابه من البلاء ، فـإن من أنواع الصبر ، الصبر على البلاء حتى يفوز برضا الله سبحانه عنه ، وزيادة حسناته ورفـع درجاته في الآخرة ، ويـدل لذلك ما رواه صهيب - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]صحيح مسلم الزهد والرقائق (2999) ، مسند أحمد بن حنبل (4/332) ، سنن الدارمي الرقاق (2777).
عجبت من أمر المؤمن ، إن أمر المؤمن كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابته سراء شكر فكان ذلك له خير ، وإن أصابته ضراء فصبر فكان ذلك له خير . أخرجـه الإمام مسلم في (صحيحه) ، والإمام أحمد في (المسند) ، وهذا لفظ الإمام أحمد .
وقولـه تعـالى :
سورة الحج الآية 35
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ
وقولـه
|
(الجزء رقم : 25، الصفحة رقم: 89) |
|
تعـالى :
سورة البقرة الآية 155
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ
سورة البقرة الآية 156
الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ
وقوله تعالى :
سورة الأحزاب الآية 35
وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ
إلى قولـه تعـالى :
سورة الأحزاب الآية 35
أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا
وما رواه أنس - رضي الله عنه - قـال : قـال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]سنن الترمذي الزهد (2396).
إن عظم الجزاء مع عظم البلاء ، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم ، فمن رضي فله الرضا ، ومن سخط فله السخط أخرجـه الإمـام الترمذي في (جامعه) ، وقال : حسن غريب من هذا الوجه .
وما رواه مصعب بن سعد عن أبيه - رضي الله عنهما - قـال :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]أحمد 1 / 172 ، 174 ، 180 ، 185 ، والترمذي 4 / 601 - 602 برقم ( 2398 ) ، وابن ماجه 2 / 1334 برقم ( 4033 ) ، والدارمي 2 / 320 ، وابن أبي شيبة 3 / 233 ، وأبو يعلى 2 / 143 برقم ( 830 ) ، والطيالسي 1 / 174 برقم ( 212 ) ت : محمد التركي ، وابن حبان 7 / 160 ، 161 ، 184 برقم ( 2900 ، 2901 ،2920 ، 2921 ) ، والبزار ( البحر الزخار ) 3 / 349 ، 353 برقم ( 1150 ، 1154 ، 1155 ) ، والحاكم 1 / 41 ، والدورقي في ( مسند سعد بن أبي وقاص ) ص / 87 ، 89 برقم ( 41 ، 42 ) ، والبيهقي في ( السنن ) 3 / 372 - 373 ، وفي ( الشعب ) 17 / 286 برقم ( 9318 ) ط : الهند ، والبغوي 5 / 244 برقم ( 1434 )
قلت : يا رسول الله : أي الناس أشد بلاء ؟ قـال : الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ، يبتلى الرجل على حسب دينه ، فإن كان في دينه صلابة شدد عليه في البلاء ، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه ، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة أخرجه الترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح .
|
(الجزء رقم : 25، الصفحة رقم: 90) |
|
وما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - قـال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]سنن الترمذي الزهد (2399) ، مسند أحمد بن حنبل (2/450).
ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة أخرجه الترمذي .
وعلى ذلك يحرم على الإنسـان المبتلى بأحد الأمراض أن يسعى في قتل نفسه ؛ لأن حياته ليست ملكا له ، وإنما هي ملك لله الذي قدر الأقدار والآجال ؛ ولأن العبد . بموته تنقطع أعماله ، وحياة المؤمن التي يعيشها يرجـى له خير منها ، فلعله أن يتوب إلى الله سبحانه مما مضى من ذنوبه ، ويتزود من الأعمال الصالحات من صلاة وصيام وزكاة وحج وذكر ودعاء لله سبحانه وقراءة قرآن ، فيرتقي بذلك أعلى الدرجات عند الله ، كما أن المريض يكتب لـه أجر ما كان يعمله في زمن صـحته ، كما ثبتت بذلك الأحاديث الصحيحة .
أما أولئك الذين يرون أن يلبى طلب المريض في قتل نفسه ويعينونه على ذلك من أطباء وغيرهم - فإنهم آثمون بذلك ، ونظرتهم
|
(الجزء رقم : 25، الصفحة رقم: 91) |
|
قاصرة ، ويدل ذلك على جهلهم ؛ لأنهم ينظرون إلى حياة الإنسان وبقائه من جهة أن يكون ذا قوة حيوانية ذا سلطة وأشر وبطر ، ولا ينظرون من حياته أن يكون متصلا بربه متزودا بالأعمال الصالحة ، قد رق قلبه لله وخضع واستكان وتضرع بين يديه سبحانه وتعالى ، فكان أحب وأقرب إلى الله ممن تجبر وطغى واستغل قوته الحيوانية فيما يغضب الله . كما أن الله سبحانه قادر على شفائه ومـا يكون اليوم مستحيلا في نظر البشر قد يكون ميسورا علاجه مستقبلا بقدرة الله الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء