--------------------------------------------------------------------------------
بِسْمِاللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
"نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ
وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ " {3} يوسف
" لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَاكَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ " {111} سورةيوسف
قصة أصحاب الجنة
موقع القصةفي القرآن الكريم:
ورد ذكر القصة في سورة القلم الآيات 17-33.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِالرَّحِيمِ
إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْأَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ{17} وَلَا يَسْتَثْنُونَ{18} فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ{19} فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ{20} فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ{21} أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ{22} فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ{23} أَن لَّايَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ{24} وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ{25} فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ{26} بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ{27} قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَاتُسَبِّحُونَ{28} قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ{29} فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ{30} قَالُوا يَا وَيْلَنَاإِنَّا كُنَّا طَاغِينَ{31} عَسَى رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ{32} كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِأَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ{33} صَدَقَ اللهُ العَظِيمْ
قال الله تعالى إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين .... إلى آخر الآيات
وهذا مثل ضربه الله لكفار قريش فيما أنعم به عليهم من ارسال الرسول العظيم الكريم اليهم فقابلوه بالتكذيب والمخالفة
كما قال تعالى :
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْراًوَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَالْبَوَارِ
{28}جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ{29}إبراهيم
قال ابن عباس :هم كفار قريش فضرب تعالى لهم مثلا بأصحاب الجنة المشتملة على أنواع الزروع والثمارالتي قد انتهت واستحقت أن تجد وهو الصرام ولهذا قال اذ أقسموا فيما بينهم ليصرمنهاأي ليجدنها وهو الاستغلال مصبحين أي وقت الصبح حيث لا يراهم فقير ولا محتاج فيعطوه شيئا فحلفوا على ذلك ولم يستثنوا في يمينهم فعجزهم الله وسلط عليها الآفة التي احرقتها وهي السفعة التي اجتاحتها ولم تبق بها شيئا ينتفع به ولهذا قال فطاف عليهاطائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم أي كالليل الأسود المنصرم من الضياء وهذه معاملة بنقيض المقصود فتنادوا مصبحين أي فاستيقظوا من نومهم فنادى بعضهم بعضاقائلين أغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين أي باكروا إلى بستانكم فاصرموه قبل أن يرتفع النهار ويكثر السؤال فانطلقوا وهم يتخافتون أي يتحدثون فيما بينهم خفية قائلين لايدخلنها اليوم عليكم مسكين أي اتفقوا على هذا واشتوروا عليه وغدوا على حرد قادرين أي انطلقوا مجدين في ذلك قادرين عليه مضمرين على هذه النية الفاسدة وقال عكرمةوالشعبي وغدوا على حرد أي غضب على المساكين وأبعد السدي في قوله أن اسم حرثهم حرد فلما رأوها أي وصلوا اليها ونظروا ما حل بها وما قد صارت إليه من الصفة المنكرة بعدتلك النضرة والحسن والبهجة فانقلبت بسبب النية الفاسدة فعند ذلك قالوا انا لضالون أي قد نهينا عنها وسلكنا غير طريقها ثم قالوا بل نحن محرومون أي بل عوقبنا بسبب سوءقصدنا وحرمنا بركة حرثنا قال أوسطهم قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد هو أعدلهم وخيرهم ألم أقل لكم لولا تسبحون قيل تستثنون ...قاله مجاهد والسدي وابن جرير
وقيل تقولون خيرا بدل ما قلتم من الشر قالوا سبحان ربنا إنا كناظالمين فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين فندموا حيث لاينفع الندم واعترفوا بالذنب بعد العقوبة وذلك حيث لا ينجع وقد قيل ان هؤلاء كانوااخوة وقد ورثوا هذه الجنة من أبيهم وكان يتصدق منها كثيرا فلما صار أمرها اليهم استهجنوا أمر أبيهم وأرادوا استغلالها من غير أن يعطوا الفقراء شيئا فعاقبهم الله أشد العقوبة ولهذا أمر الله تعالى بالصدقة من الثمار وحث على ذلك يوم الجداد كماقال تعالى كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ثم قيل كانوا من أهل اليمن منقرية يقال لها ضروان وقيل من أهل الحبشة والله أعلم قال الله تعالى كذلك العذاب أيه كذا نعذب من خالف أمرنا ولم يعطف على المحاويج من خلقنا ولعذاب الآخرة أكبر أي أعظم وأحكم من عذاب الدنيا لو كانوا يعلمون وقصة هؤلاء شبيه بقوله تعالى ضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقهاالله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون قيل هذا مثل مضروب لأهل مكة وقيل هم أهل مكة
أنفسهم ضربهم مثلا لأنفسهم ولا ينافيذلك
والله تعالى أعلى وأعلم
قال الله تعالى في سورةالفرقان38 : " وعادا وثمود وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا * وكلا ضربنا له الأمثال وكلا تبرنا تتبيرا " .
وقال تعالى في سورة ق 12-13: "كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود * وعاد وفرعون وإخوان لوط * وأصحاب الأيكة وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد " .
وهذا السياق والذي قبله ، يدل على أنهم أهلكوا ودمروا وتبروا ، وهو الهلاك .
وهذا يرد اختيار ابن جرير من أنهم أصحاب الأخدود الذين ذكروا في سورة البروج، لأن أولئك عند ابن إسحاق وجماعة كانوا بعد المسيح عليه السلام . وفيه نظر أيضاً .
وروى ابن جرير قال : قال ابن عباس : أصحاب الرس أهل قرية من قرى ثمود .
وقد ذكر الحافظ الكبير أبو القاسم ابن عساكر في أول تاريخه ، عند ذكر بناء دمشق ، عن تاريخ أبي القاسم عبدالله بن عبدالله بن جرداد وغيره ، أن أصحاب الرس كانوا بحضور ، فبعث الله اليه نبياً يقال له حنظلة بن صفوان، فكذبوه وقتلوه ، فصال عاد بن عوص بن إرم . ابن سام بن نوح وولده من الرس . فنـزل الأحقاف . وأهلك الله أصحاب الرس وانتشروا في اليمن كلها ، وفشوا مع ذلك في الأرض كلها ، حتى نزل جبرون بن سعد بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح ، وبني مدينتها ، وسماها جبرون ، وهي إرم ذأت العماد ، وليس أعمدة الحجارة في موضع أكثر منها بدمشق ، فبعث الله هود بن عبد الله بن رباح بن خالد بن الحلود بن عاد ، إلى عاد ، يعنى أولاد عاد بالأحقاف فكذبوه فأهلكهم الله عزوجل .
فهذا يقتضي أن أصحاب الرس قبل عاد بدهور متطاولة فالله أعلم .
وروى ابن أبي حاتم عن أبي بكر بن أبي عاصم ، عن أبيه عن شبيب بن بشر ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : الرس بئر بأذربيجان . وقال الثوري عن أبي بكر عن عكرمة قال : الرس بئر رسوا فيها نبيهم ، أي دفنوه فيها .
قال ابن جريج : قالعكرمة : أصحاب الرس بفلج وهم أصحاب يس . وقال قتادة : فلج من قرى اليمامة .
قلت : فإن كانوا أصحاب يس كما زعمه عكرمة ، فقد أهلكوا بعامة ، قال الله تعالى في قصتهم : " إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون " وستأتي قصتهم بعدهؤلاء .
وإن كانوا غيرهم، وهو الظاهر ، فقد أهلكوا أيضاً وتبروا . وعلى كل تقدير فينافي ما ذكره ابن جرير .
وقد ذكر أبو بكر محمدبن الحسن النقاش : أن أصحاب الرس كانت لهم بئر ترويهم وتكفي أرضهم جميعاً ، وكان لهم ملك عادل حسن السيرة . فلما مات وجدوا عليه وجداً عظيماً ، فلما كان بعد أيام تصور لهم الشيطان في صورته وقال : إني لم أمت ، ولكن تغيبت عنكم حتى أرى صنيعكم ،ففرحوا أشد الفرح ، وأمر بضرب حجاب بينهم وبينه ، وأخبرهم أنه لا يموت أبداً ، فصدق به أكثرهم ، وافتتنوا به وعبدوه ، فبعث الله فيهم نبياً ، فأخبرهم أن هذا شيطان يخاطبهم من وراء الحجاب ونهاهم عن عبادته ، وأمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له .
قال السهيلي ، وكان يوحي إليه في النوم ، وكان اسمه حنظلة بن صفوان ، فعدوا عليه فقتلوه وألقوه في البئر ، فغار ماؤها وعطشوا بعد ريهم ، ويبست أشجارهم وانقطعت ثمارهم ، وخربت ديارهم وتبدلوا بعد الأنس بالوحشة ، وبعد الاجتماع بالفرقة ، وهلكوا عن آخرهم ، وسكن في مساكنهم الجن والوحوش ، فلا يسمع ببقاعهم إلا عزيف الجن وزئير الأسود وصوت الضباع .
فأما ما رواه - أعني ابن جرير - عن محمد بن حميد عن سلمة عن ابن إسحاق عن محمد بن كعب القرظي قال : قال رسول الله: " إن أول الناس يدخلون الجنة يوم القيامة العبد الأسود " وذلك أن الله تعالى بعث نبياًإلى أهل قرية فلم يؤمن به من أهلها إلا ذلك العبد الأسود ، ثم إن أهل القرية عدوا على النبي فحفروا له بئراً فألقوه فيها ثم أطبقوا عليه بحجر أصم ، قال : فكان ذلك العبد يذهب فيحتطب على ظهره ، ثم يأتي بحطبه فيبيعه ويشتري به طعاماً وشراباً ، ثم يأتي به إلى تلك البئر فيرفع تلك الصخرة ويعينه الله عليها ويدلى إليه طعامه وشرابه، ثم يردها كما كانت .
قال : فكان كذلك ما شاء الله أن يكون . ثم إنه ذهب يوماً يحتطب كما كان يصنع، فجمع حطبه وحزم حزمته وفرغ منها ، فلما أراد أن يحتملها وجد سنة فاضطجع فنام ،فضرب الله على أذنه سبع سنين نائماً . ثم إنه هب فتمطى فتحول لشقه الآخر ، فاضطجع فضرب الله على أذنه سبع سنين أخرى . ثم إنه هب واحتمل حزمته ولا يحسب أنه نام إلا ساعة من نهار ، فجاء إلى القرية فباع حزمته ثم اشترى طعاماً وشراباً كما كان يصنع . ثم إنه ذهب إلى الحفيرة ، إلى موضعها الذي كانت فيه ، يلتمسه فلم يجده وقد كان بدا لقومه فيه بداء ، فاستخرجوه وآمنوا به وصدقوه .
قال : فكان نبيهم يسألهم عن ذلك الأسود ما فعل ،فيقولون له ما ندري ؟ حتى قبض الله النبي عليه السلام وهب الأسود من نومته بعد ذلك، فقال رسول الله: " إنذلك الأسود لأول من يدخل الجنة " .
فإنه حديث مرسل ومثله فيه نظر . ولعل بسط قصته من كلام محمد بن كعب القرظي . . والله أعلم .
ثم قد رده ابن جرير نفسه ، وقال : لايجوز أن يحمل هؤلاء على أنهم أصحاب الرس المذكورون في القرآن ، قال : لأن الله أخبر عن أصحاب الرس أنه أهلكهم وهؤلاء قد بدا لهم فآمنوا بنبيهم . اللهم إلا أن يكون حدثت لهم أحداث آمنوا بالنبي بعد هلاك آبائهم . . والله أعلم .
ثم اختار أنهم أصحاب الأخدود وهو ضعيف ، لماتقدم ، ولما ذكر في قصة أصحاب الأخدود حيث توعدوا بالعذاب في الآخرة ، إن لم يتوبوا، ولم يذكر هلاكهم ، وقد صرح بهذا أصحاب الرس . . والله تعالى أعلم .